فصل: الفوائد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} الجملة حالية و{لا} نافية و{يفتر} فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر تقديره هو أي العذاب و{عنهم} متعلقان بيفتر والواو للحال و{هم} مبتدأ و{فيه} متعلقان بمبلسون و{مبلسون} خبرهم والجملة حال ثانية.
{وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} الواو عاطفة و{ما} نافية و{ظلمناهم} فعل ماض وفاعل ومفعول به والواو حالية و{لكن} مخففة مهملة وكان واسمها و{هم} ضمير فصل لا محل له أو هو توكيد للواو و{الظالمين} خبر {كانوا}.
{وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ} الواو عاطفة و{نادوا} فعل ماض وفاعل وعبر بالماضي عن المضارع إيذانا بحقيقة وقوعه فهو من باب أتى أمر اللّه، و{يا مالك} نداء، وسيأتي الحديث عن مالك وندائه في باب الفوائد، واللام لام الأمر ويقض فعل مضارع مجزوم بلام الأمر و{علينا} متعلقان بيقض أي ليمتنا و{ربك} فاعل.
{قال إِنَّكُمْ ماكِثُونَ} إن واسمها وخبرها في موضع نصب مقول القول.
{لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ} اللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق و{جئناكم} فعل وفاعل وبالحق متعلقان بجئناكم والواو حالية وإن واسمها و{للحق} متعلقان بكارهون و{كارهون} خبر إن.

.الفوائد:

1- قرأ علي وابن مسعود رضي اللّه عنهما {يا مال} بحذف الكاف للترخيم وقيل لابن عباس: إن ابن مسعود قرأ {ونادوا يا مال} فقال: ما أشغل أهل النار عن الترخيم وعن بعضهم أن الذي حسن الترخيم لأهل النار ضعفهم عن إتمام الاسم لأنهم في غنية عن الترخيم قال ابن جنّي: وللترخيم في هذا الموضع سر وذلك أنهم لعظم ما هم عليه خفتت أصواتهم ووهنت قواهم وذلّت أنفسهم فكان هذا من موضع الاختصار ضرورة. قال الطيبي قلت هذا اعتذار منه لقراءة ابن مسعود حيث ردّها ابن عباس بقوله: ما أشغل أهل النار عن الترخيم فإن ما للتعجب وفيه معنى الصدّ نظير قولك لمن كان في شدة واشتغل عنها بما لا يهمه: ما أشغلك عن هذا أما يصدّك عن هذا ما أنت فيه من الهول والشدّة. قلت والترخيم هو لغة التسهيل والتليين يقال صوت رخيم أي سهل لين، واصطلاحا حذف بعض الكلمة على وجه مخصوص وهو ثلاثة أنواع:
1- ترخيم النداء.
2- ترخيم الضرورة.
3- ترخيم التصغير، ومباحثها في كتب النحو.
ومالك هو خازن النار أي رئيس سدنتها الماضي عليهم كلامه ومجلسه في وسط النار وفيها جسور تمر عليها ملائكة العذاب فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها.
2- الحديث المتعلق بالآية: وعن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «يلقى على أهل النار الجوع فيعدل ما هم فيه من العذاب فيستغيثون فيغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة فيذكرون أنهم يجيزون الغصص في الدنيا بالشراب فيستغيثون بالشراب فيدفع إليهم بكلاليب الحديد فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم فإذا دخلت بطونهم قطعت ما في بطونهم فيقولون ادعوا خزنة جهنم فيقولون {ألم تك تأتيكم رسلكم بالبيّنات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} قال: فيقولون: ادعوا مالكا فيقولون: {يا مالك ليقض علينا ربك} قال فيجيبهم: {إنكم ماكثون}» قال الأعمش: نبئت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام قال فيقولون: ادعوا ربكم فلا أحد خير من ربكم فيقولون: {ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنّا قوما ضالّين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون} قال: فيجيبهم: {اخسئوا فيها ولا تكلمون} قال فعند ذلك يئسوا من كل خير وعند ذلك يأخذون في الزفير والحسرة والويل.
وعن عبد اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما قال: إنّ أهل النار يدعون مالكا فلا يجيبهم أربعين عاما ثم يقول: إنكم ماكثون ثم يدعون ربهم فيقولون: {ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون} فلا يجيبهم مثل الدنيا ثم يقول: {اخسئوا فيها ولا تكلمون} ثم ييئس القوم فما هو إلا الزفير والشهيق تشبه أصواتهم أصوات الحمير أولها شهيق وآخرها زفير.

.[سورة الزخرف: الآيات 79- 89]:

{أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّالا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (81) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقولنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)}.

.اللغة:

{أَبْرَمُوا} أحكموا وفي المصباح: وأبرمت العقد إبراما: أحكمته فانبرم هو وأبرمت الشيء دبرته. ويقال أبرم الحبل إذا أتقن فتله والمراد القتل الثاني وأما الأول فيقال له سحل وفي القاموس: السحل ثوب لا يبرم غزله كالسحيل، قال زهير يمدح هرم بن سنان والحارث بن عوف:
يمينا لنعم السيدان وجدتما ** على كل حال من سحيل ومبرم

.الإعراب:

{أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} كلام مستأنف مسوق للانحاء باللائمة على المشركين لما بدر منهم، و{أم} منقطعة بمعنى بل فبل للإضراب والانتقال من توبيخ أهل النار وحكاية حالهم إلى حكاية جناية هؤلاء المشركين والهمزة للإنكار و{أبرموا} فعل ماض وفاعل و{أمرا} مفعول به والفاء عاطفة وإن واسمها وخبرها.
{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ} {أم} تقدم القول فيها و{يحسبون} فعل مضارع مرفوع والواو فاعل وأن وما بعدها سدّت مسدّ مفعولي {يحسبون} وجملة {لا نسمع} خبر {أنّا} وسرّهم مفعول {نسمع} {ونجواهم} عطف على {سرّهم}.
{بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} {بلى} حرف جواب أي نسمع ذلك والواو للحال و{رسلنا} مبتدأ و{لديهم} ظرف متعلق بيكتبون وجملة {يكتبون} خبر {رسلنا} والجملة حالية.
{قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} {قل} فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت والجملة مستأنفة مسوقة لتفنيد ما ورد من مزاعم لهم في أول السورة بأن للّه ولدا من الملائكة و{إن} شرطية و{كان} فعل ماض ناقص و{للرحمن} خبرها المقدّم و{ولد} اسمها المؤخر والفاء رابطة لجواب الشرط وأنا مبتدأ و{أول العابدين} خبر وسيأتي معنى تعليق العبادة بكينونة الولد في باب الفوائد.
{سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} {سبحان} مفعول مطلق لفعل محذوف و{رب السموات والأرض} مضاف إليه و{رب العرش} بدل من {رب} الأولى و{عمّا} متعلقان بسبحان وجملة {يصفون} صلة ما.
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} الفاء الفصيحة وذرهم فعل وفاعل مستتر ومفعول به و{يخوضوا} جواب الطلب ولذلك جزم {ويلعبوا} عطف على {يخوضوا}، {حتى} حرف غاية وجر و{يلاقوا} فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى والواو فاعل و{يومهم} مفعول به و{الذي} صفة وجملة {يوعدون} صلة و{يوعدون} مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل.
{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} الواو استئنافية و{هو} مبتدأ و{الذي} خبره و{في السماء} متعلقان بإله لأنه بمعنى معبود، ومثل له الزمخشري بقولهم هو حاتم طي حاتم في تغلب على تضمين معنى الجواد الذي شهر به كأنك قلت هو جواد في طي جواد في تغلب. و{إله} خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو والجملة صلة {الذي} {وفي الأرض إله} عطف على قوله: {في السماء إله} {وهو} مبتدأ و{الحكيم العليم} خبران.
{وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما} الواو عاطفة و{تبارك} فعل ماض و{الذي} فاعله و{له} خبر مقدم و{ملك السموات} مبتدأ مؤخر والجملة صلة {وما} عطف على {السموات والأرض} والظرف متعلق بمحذوف هو الصلة.
{وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} الواو عاطفة و{عنده} ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم و{علم الساعة} مبتدأ مؤخر {وإليه} متعلقان بترجعون و{ترجعون} فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل.
{وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ} الواو عاطفة و{لا} نافية و{يملك} فعل مضارع و{الذين} فاعله وجملة {يدعون} صلة الموصول و{من دونه} متعلقان بيدعون و{الشفاعة} مفعول يملك.
{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} {إلا} أداة حصر و{من} مستثنى من {الذين} وهو استثناء منقطع والمعنى ولا يملك آلهتهم ويعني بهم الأصنام والأوثان الشفاعة كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند اللّه ولكن من شهد بالحق وهو توحيد اللّه وهو يعلم ما شهد به هو الذي يملك الشفاعة ويجوز أن يكون الاستثناء متصلا لأنه يكون المستثنى منه محذوفا كأنه قال ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة في أحد إلا فيمن شهد بالحق فهو استثناء من المفعول المحذوف على حدّ قول الشاعر:
نجا سالم والنفس منه بشدقه ** ولم ينج إلا جفن سيف ومئزر

فهو استثناء من المشفوع فيهم.
وجملة {شهد بالحق} صلة {من} {وهم} الواو حالية أو عاطفة و{هم} مبتدأ وجملة {يعلمون} خبر.
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقولنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} الواو عاطفة واللام موطئة للقسم وإن شرطية و{سألتهم} فعل ماض وفاعل ومفعول به وهو في محل جزم فعل الشرط و{من} اسم استفهام في محل رفع مبتدأ وجملة {خلقهم} خبر {من} وجملة الاستفهام المعلقة في محل نصب مفعول به ثان لسألتهم و{ليقولنّ} اللام جواب القسم وجواب الشرط محذوف على القاعدة المعروفة وهي اجتماع قسم وشرط ويقولنّ فعل مضارع مرفوع بثبوت النون المحذوفة لتوالي الأمثال والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل والنون المشددة نون التوكيد الثقيلة و{اللّه} فاعل بفعل محذوف دلّ عليه موصول الاستفهام والتقدير خلقنا اللّه لأن القضية الشرطية لا تستدعي الوقوع ولا عدمه والدليل على أن المرفوع فاعل فعله محذوف لا مبتدأ أنه جاء عند عدم الحذف كقوله تعالى الآنف الذكر: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهنّ العزيز العليم} على أن هذه الحجة قد تعارض بالمثل فيقال والدليل على أنه مبتدأ أنه قد جاء كذلك كقوله تعالى: {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر} إلى قوله: {قل اللّه ينجيكم منها} وما يقال أنه قدّم لإفادة الاختصاص ممنوع لأن الفاعل لا يجوز تقديمه على عامله على الأصح والأحسن أن يقال إن الحجة الفعلية في هذا الباب أكثر فالحمل عليها أولى.
وقال ابن هشام: يقول بعضهم في {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن اللّه} إن اسم اللّه سبحانه وتعالى مبتدأ أو فاعل أي اللّه خلقهم أو خلقهم اللّه والصواب الحمل على الثاني بدليل: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولنّ خلقهنّ العزيز الحكيم} وتعقبه الدماميني شارع المغني فقال: هذا معارض بقوله تعالى: {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه} إلى أن قال: {قل اللّه ينجيكم منها ومن كل كرب} وتعقبه الشمني فقال: وأقول لا يعارضه لأن الكلام إنما هو في خصوص الجواب الذي سنده خلق لا في كل جواب.
والفاء عاطفة وأنى اسم استفهام بمعنى كيف في محل نصب على الحال و{يؤفكون} فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل.
{وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ} الواو للقسم وقيله أي قوله مجرور بواو القسم والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره أقسم والجواب إما محذوف أي لأفعلنّ بهم ما أريد وإما مذكور وهو قوله: {إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} كأنه قيل وأقسم بقيله يا رب وقيل هو معطوف على الساعة وفيه بعد وقرئ بالنصب قال الجلال السيوطي ونصبه على المصدر بفعله المقدّر وقيل إن النصب بالعطف على {سرهم ونجواهم} وقيل إنه بالعطف على محل {الساعة} كأنه قيل إنه يعلم الساعة وقرئ بالرفع على الابتداء والخبر ما بعده أو إن الخبر محذوف تقديره وقيله مسموع أو متقبل. وإن واسمها وخبرها وجملة {لا يؤمنون} صفة.
{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} الفاء الفصيحة واصفح فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت و{عنهم} متعلقان باصفح {وقل} عطف على {فاصفح} و{سلام} خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر سلام {فسوف} الفاء عاطفة وسوف حرف تسويف و{يعلمون} فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والواو فاعل والمفعول به محذوف للتفخيم أي مغبة أمرهم.

.الفوائد:

وعدناك بالحديث عن تعليق العبادة بكينونة الولد وقد شجر بين المفسرين والمتكلمين جدال طويل في صددها وخاصة بين أهل السنّة والمعتزلة، فقال الزمخشري بأسلوبه البارع ما يلي: {قل إن كان للرحمن ولد} وصحّ ذلك وثبت ببرهان صحيح توردونه وحجة واضحة تدلون بها فأنا أول من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له كما يعظم الرجل ولد الملك لتعظيم أبيه وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض وهو المبالغة في نفي الولد والإطناب فيه وأن لا يترك الناطق به شبهة إلا مضمحلة مع الترجمة عن نفسه بثبات القدم في باب التوحيد وذلك أنه علّق العبادة بكينونة الولد وهي محال في نفسها فكان المعلّق بها محالا مثلها فهو في صورة إثباته الكينونة والعبادة وفي معنى نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها. ثم أورد تهكما بأهل السنّة وأرخى للسانه العنان فأساء إلى الذات الإلهية إذ قال: ونظيره أن يقول العدلي للمجبر إن كان اللّه خالقا للكفر في القلوب ومعذب عليه عذابا سرمدا فأنا أول من يقول هو شيطان وليس بإله فمعنى هذا الكلام وما وضع له أسلوبه ونظمه نفي أن يكون اللّه تعالى خالقا للكفر وتنزيهه عن ذلك وتقديسه ولكن على طريق المبالغة فيه من الوجه الذي ذكرنا مع الدلالة على سماجة المذهب وضلالة الذاهب إليه والشهادة القاطعة بإحالته والإفصاح عن نفسه بالبراءة منه وغاية النفار والاشمئزاز من ارتكابه.
وقد نوّه أبو حيان بإساءة الزمخشري فقال بعد أن نقل ما نقلناه من كلام الزمخشري: ثم ذكر كلاما يستحق عليه التأديب بل السيف نزّهت كتابي عن ذكره. وهذا ليس بالردّ كما ترى بل فيه مقابلة المهاترة بالمهاترة والشطط بالشطط.
وردّ الإمام ناصر الدين أحمد بن محمد بن المنير الإسكندري المالكي قاضي الإسكندرية المتوفى سنة 683 هـ على الزمخشري ردّا حسنا سلك فيه جادة النقد الصحيح فقال لقد اجترأ عظيما واقتحم مهلكة في تمثيله بقول من سمّاه عدليا إن كان اللّه خالقا للكفر في القلوب ومعذبا عليه فأنا أول القائلين إنه شيطان وليس بإله فلينتقم عليه ذلك بقول القائل: قد ثبت عقلا وشرعا أنه تعالى خالق لذلك في القلوب كما خلق الإيمان وفاء بمقتضى دليل العقل الدال على أن لا خالق إلا اللّه وتصديقا بمضمون قوله تعالى: {هل من خالق غير اللّه}، وقوله: {اللّه خالق كل شيء} وإذا ثبتت هذه المقدمة عقلا ونقلا لزمه فرك أذنه وغلّ عنقه إذ يلحد في اللّه إلحادا لم يسبقه إليه أحد من عباده الكفرة ولا تجرأ عليه ما ردّ من مردّة الفجرة. إلى آخر هذا الرد الذي لم يخل من السباب والشتائم أيضا.